Think Culture... Think Growth

FacebookTwitter

Med Culture is a Technical Assistance Unit funded by the European Union for the promotion of culture as vector of Human, Social and Economic Development in South Mediterranean countries. 
READ MORE ABOUT EU COOPERATION

توميتو كرتون: رسّامو الكاريكاتير العرب يتّحدون في مجلّة شهرية

توميتو كرتون: رسّامو الكاريكاتير العرب يتّحدون في مجلّة شهرية

توميتو كرتون: رسّامو الكاريكاتور العرب يتّحدون في مجلّة شهرية
  • رئيس الوزراء الأردنيّ هاني المُلقي يقف مندهشا أمام رسم غرافيكي يمثّل التّضخّم

  • يستيقظُ دونالد ترامب بجانب تمثال الحرّية مذعور

  • يمرّ إرهابيّ عبر بوابة أمنية وقد غرس في عقله أصابع ديناميت

كلّ هذه الصّور مرتبطة بأخبار الأشهر الماضية وتصدّر في الصفحة الأولى من مجلّة "توميتو كارتون". توزّع هذه المجلّة المؤلفة من عشرين صفحة، شهريّا منذُ كانون الأوّل مع صحيفة الغد الأردنية، وهي أول مجلّة مخصصة بشكل كامل لرسوم الكاريكاتور في الوطن العربي.

يرأس تحرير هذه المجلة ناصر الجعفري وهو رسّام كاريكاتوري أردني يتمتّع بخبرة ثلاثين عاما تقريبًا. لقد شارك في عدد كبير من الصحف الأردنية والفلسطينية واللبنانية وفاز بجوائز دولية عديدة، وهذا ما كان يراوده دائما إذ يقول: "كان ذلك حلمًا قديمًا". يضيف: " كلّ ما يصدر من هذه المنطقة عبارة عن إرهاب وأزمات متعاقبة؛ ولذلك أردنا أن نبعث برسالة مختلفة ومتحضّرة ضدّ الإرهاب، وبرأيي كان ينبغي أن تأتي هذه الرسالة من رسامي الكاريكاتور في جميع البلدان."

إنها رغبة ظاهرة من العنوان ومن شعار الصحيفة "توميتو كارتون": " فالطماطم جزء من ثقافة الطهي لدينا؛ إنها غداء أساسي، في متناول الجميع، بما في ذلك أشد النّاس فقرًا، وبما أنها موجودة في معظم منطقة البحر الأبيض المتوسط، فقد كانت ذلك وسيلة للإشارة إلى أننا على صلة وثيقة وتواصل مع جيراننا، في فرنسا وإسبانيا على سبيل المثال؛ فنحن نأكل الطماطم كباقي النّاس."

 

في البحث عن الإندماج الإقليمي

ناصر الجعفري يردّد "مثل أي شخص آخر" كما لو كان شعاراً، مبرزاً ومؤكداً على التماسك العربي الذي ينبثق عن مجلّته. يقول: "أريد من الناس أن يعلموا أننا نتشارك المشاكل ذاتها كأي جزء آخر من البلدان العربية: سواء الفساد، الإرهاب، الحكومات... وكذلك نتشارك الأحلام ذاتها." وتوضح جومانا غنيمات، صحفيّة أردنية، في مقدّمة العدد الأوّل من توميتو كارتون أنّ المجلة تسعى لأن تكون شاهداً على عصرنا هذا: " إنّ طموح مجلة توميتو كارتون أن تشكل منعطفا تاريخياً لفترة سياسية بالغة الحساسية يمرّ بها العالم حاليا."
طموح تتحقق من الوهلة الأولى فإذا أخذنا بعين الاعتبار قائمة المواضيع التي يتناولها العدد الأول فسنجدها تتراوح : من عيد ميلاد فيروز الواحد والثمانين إلى العادة السيئة المنتشرة في العالم العربي لإطلاق النيران في جميع أنواع الأحداث والمناسبات مرورا بداعش والفساد والسجناء الفلسطينيين واللاجئين السوريين وأزمة النفايات في لبنان، وهجرة الشباب المغاربة... هذا، وقد تم رسم هذه الرسوم من قبل تسعة عشر رسام كاريكاتور من ثماني دول عربية وأمريكا وتركيا.

يلجأ ناصر الجعفري إلى التواصل مع الفنانين عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهي وفق اعتقاده تسهل عملية الإندماج الإقليمي. حيث اقترح بهذه الطريقة، على سبيل المثال، على ناجي بناجي أن يشارك بانتظام في مجلة "توميتو كارتون." وهو رسّام كاريكاتور مغربي جزءٌ من شبكة رسامي الكاريكاتور على الإنترنيت. يقول:" من قبل، لم نكن بالضرورة نعلم، ما الذي يرسمه الآخرون؛ أمّا الآن فنحن نواكب كل ما يقومون به." رأيٌ يضيفُ إليهِ أستاذ الأدب العربي والباحث في جامعة ليون الثانية إيف غونزاليس-كيخانو: "لقد كانت الرسومات تنتشر بين الناس على نطاق واسع، من بلد إلى آخر؛ فهناك معارض، ومسابقات وفرص عديدة ليلتقي كلٌ بالآخر، فقد جرى تبادل الرسومات من قبل أكبر الدول في هذا المجال مثل مصر، لبنان، سورية والعراق؛ ناهيك عن إحداث مدرسة عصريّة ورائعة للكاريكاتور في الخليج." الاستثناءات الوحيدة من هذا الزخم الإقليمي، حسب الباحث، هي بلدان المغرب. "لقد كان هناك فجوة بين المغرب وبين باقي دول العالم العربي، بسبب اللغة من جهة ولأنّ الصحافة المغربية لم تتمكن من تأسيس جريدة تبحث عن جمهور أبعد من الشرق في العالم العربي."

اتخذ ناجي بناجي قرارا بألّا يعلّق على رسوماته عندما يستهدف بها جمهورا خارج بلده. العديد من رسومات توميتو كارتون غير مصحوبة بأيّة حوارات أو تعليقات كي "تصل إلى أوسع شريحة ممكنة من الجماهير" وفقا لناصر الجعفري.
وغالبا ما كانت مسألة اللغة موضع نقاش في مؤسسات الرسوم والصحافة العربية منذ تطويرها المشترك في نهاية القرن التاسع عشر. يعود إيف غونزاليس-كيخانو إلى طرق باب هذه المسألة قائلا: "كنا دائما نعمد إلى استخدام لغة الفصحى، أو لغة الصحافة في الجرائد بدلا من العامية.؛ ولكن في الرسوم، عندما يكون هناك حوار، فغالبا ما يكون بالعاميّة، وهذه علامة على أن الرسوم تبقى صلة الوصل بين الرسامين وجمهورهم وليس بالضرورة مع النخب والمتعلمين بالفطرة."

عدم التعليق على الرسومات يجذب جمهورا من خارج إطار المتحدّثين باللهجات المحليّة ويعدّ هذا الأمر استراتيجية للفنّانين الذين يرغبون في رؤية وحدة إقليمية تنبثق من مجالهم. يوضح ناجي بناجي قائلا: "ستعطينا هذه المجلة أملا جديدا في الحياة وسوف يساعد في توحيد رسامي الكاريكاتور العرب بعد الربيع العربي الذي فرّقنا؛ وقد كان رسامو الكاريكاتور العرب في السابق يجتمعون حول قضيّة واحدة، ألا وهي القضية الفلسطينية." منذ اندلاع الثورات العربية في ربيع 2011، وعلى وجه التحديد منذ بداية الصراع السوري، اختلفت آراء المفكرين العرب بشكل كبير: يقول إيف غونزاليس-كيخانو: " الكلّ يمزّق الآخر في تجاذبهم لمسألة الربيع العربي، لاسيّما الأزمة السورية، والرسوم الكاريكاتورية تعكس هذا الشيء." ووفقا له، فإنّ القضية الفلسطينية ليست القضية الوحيدة التي تسلط عليها الأضواء اليوم. يضيف" لكلّ بلد مشاكله: لا حكومة في المغرب منذ الانتخابات الأخيرة، توتّر على الحدود الجنوبية للجزائر، تضخّم في مصر والأردنّ، حرب في سورية، العراق واليمن..... ففي هذا السياق نجد أنّ القضية الفلسطينية لم تعد في الواجهة." بِالإضَافَةِ إلى الثقل المالي والمادي للمملكة العربية السعودية، " التي تتحكم بالكثير من وسائل الإعلام وتحاول التقرب من إسرائيل؛ ولذلك فإنّ رسومات الصحافة الفلسطينية باتت أقلّ حضورا في وسائل إعلام الشركات."

 

حريّة خاصة في الرسم

اختار ناصر الجعفري أن يتحايل على القضايا الحسّاسة: فلا ذكر سياسي، على سبيل المثال، للصراع السوري في مجلة توميتو كارتون، إذ يقول: "لا نريد أن نتبنى مواقف، بل نفضّل أن نشير إلى الصراع عبر أزمة اللاجئين مثلا، غير أننا لا نزال نستهدف داعش." ثمّة موضوع آخر بالغ الحساسية أيضا لا يعالج في مجلة توميتو كارتون ونادرا ما يُتطرق له في الرسومات العربية عموما - ألا وهو الدين. يقول المحرّر: "نودّ التحدّث بحرية، لكن بدون إيذاء مشاعر أي شخص." ويصل البيان إلى ذروته عندما يقول الجعفري بصراحة تامة إنّ مجلة توميتو كارتون أنشئت للوقوف في وجه سخرية شارلي إيبدو.  فبالنسبة له ولناجي بناجي، يعدّ رسم النبيّ محمد بتلك الطريقة انحرافا كبيرا عن السكة وهذا العمل "ضرب النّاس في صميم معتقداتهم وإيمانهم". ومن بين المواضيع الأخرى التي يتم تجنبها في الواقع في العالم العربي هو "المثلث المحظور" كما يوضح إيف غونزاليس-كيخانو. وهو يتدمن "الدين والجنس والسياسة. لكن بالمقابل نجد أن حرية الصحافة المؤسساتية تتقلص؛ وإذا ما قارنّا ما تم صنعه اليوم برسومات الصحافة المصرية القديمة لوجدنا أنّ رسومات الستينيات والسبعينيات أكثر لذعًا مما عليه الحال اليوم." ففي تلك الفترة كان الشيوخ مادة دسمة للفكاهة في الرسومات."لكن بلطف، دون إهانتهم" كما يوضح قائلا: "بالطريقة ذاتها التي كان يسخر بها دون كاميلو تقريبا."

ولذلك تم تفادي مواضيع محددة تجنّبا للإهانة أو كخيار ثقافي. هل يمكن أن نسمي هذا رقابة ذاتية؟ على أية حال يميل ناصر الجعفري وفريقه إلى اختيار معالجة المواضيع السياسية برسومات السكتات الدماغية، كما هو الحال مع الصفحة الأولى لرئيس الوزراء الأردني والرسم الغرافيكي للتضخم، حتى ولو لم يتلقوا أية تعليقات سلبية على غلاف الواجهة هذا، فهذا لا يعني أن هذه الحرية تأتت وتحصلت بسهولة. يتابع ناصر الجعفري بيانه قائلا: "لقد كان الأردنّ واحدًا من أسرع البلدان في إطلاق هذا المشروع." يضيف: "لدينا نقابات وقوانين تدافع عن الصحافة؛ فلا يعاقب الصحافيون بقسوة من قبل الحكومة." لكن رغم وجود هكذا وضع وهو مرغوب نوعا ما ، كان على الفريق أن ينتظر سنة حتى يحصل على ترخيص لإصدار المجلّة؛ إنها عملية إدارية تستغرق وقتا طويلا لا يستطيع رئيس التحرير شرحها. " ولأنّ المشروع كان الأوّل من نوعه؛ فقد توجّب عرضهُ على هيئة الإعلام الأردنية لاختباره ومعاينته. وبعد الحصول على الموافقة المبدئية، نُحّيَ المشروعُ جانبًا مرة أخرى، بسبب حصول تغيير في الحكومة."

ولحسن الحظ، فإن الرغبة في إنجاز المشروع قد تخطّت جميع تلك العقبات وساعد في ذلك التعاون البنّاء والمتين مع صحيفة الغد؛ حيث تقدّم المؤسسة الأردنية للطباعة والنشر يوميا المساعدة اللوجستية والفنية من أجل طباعة المجلة وتوزيعها. ومن الواضح أنّ دعم الشركاء كان ناجحا حتى اللحظة بما أنهم يقدمون الرسومات مجّانا؛ يستطرد ناصر الجعفري في هذا السياق قائلًا: "اننا نتطلع إلى تمويل، لكن لا، نريد من أية منظمة أو حكومة التحكم والاستحواذ على المحتويات التي ننشرها."

ختامًا، إن هذا النموذج الاقتصادي لهذه المجلة العربية الدورية مخصص للرسومات ولذلك لا يزال هشّا وضعيفا، غير أن هذا لم يثنِ ولم يفتّ من عزيمة ناصر الجعفري؛ فهو وإن لم يجعل من هذا الأمر أولوية في الوقت الراهن لكنه يطمح إلى تطوير شراكات الصحف الأخرى في البلدان العربية مستقبلا، ليتم نشر وتوزيع مجلته الشهرية على نطاق أوسع.

 

تمّ إنتاج هذه المقالة بالتعاون مع Cineuropa