Think Culture... Think Growth

FacebookTwitter

Med Culture is a Technical Assistance Unit funded by the European Union for the promotion of culture as vector of Human, Social and Economic Development in South Mediterranean countries. 
READ MORE ABOUT EU COOPERATION

زُقاق مختبر ثقافي للمسرح اللبناني

زُقاق مختبر ثقافي للمسرح اللبناني

زُقاق مختبر ثقافي للمسرح اللبناني

عندما تزور لمياء أبي عازار المقرات الجديدة لجمعيّة "زُقاق" في بيروت، تتجوّل من غرفةٍ إلى أخرى، وهي تصف، بلهفة يصعب إخفاؤها، ما يمكن أن تصبح فيه كل واحدة منها. صحيح أن كلّ شيء ما يزال غارقًا في فوضى، لكن هناك خططٌ عديدة متاحة لهذا المكان الجديد. ويعدّ هذا العقد إنجازًا كبيرًا للفرقة، بعد مرور 11 عامًا على إنشائها في ظلّ صراعاتٍ مدنيّة وماّدّية ناشبة من أجل البقاء. تقول المؤسِّسة المُشاركة لفرقة زقاق: "نرغب في جعل هذا المكان ميدانا للعمل الجدّي والفعّال لنا، وللمدينة، وللفنّانين، وللأشخاص الذين يحتاجون إلى مكان واسع لإطلاق أعمالهم فيه".

منذ بضعة أشهر والفرقة المسرحية تعمل في شقة صغيرة كانت تغطي مصاريفها. وعندما جاءت الفرصة للانتقال، قدّم الجميع يد العون؛ بما أنّ فرقة زقاق تُدار دون تسلسل هرمي؛ فالأعضاء جميعهم فنّانون لكنّهم في الوقت نفسه يديرون مواقع أخرى ومشاريع مختلفة أيضًا. الفرقة، التي تصف نفسها بمختبر، تعمل على طراز فريد جسّدته المجموعة منذ إنشائها في عام 2006. تقول لمياء: "نحن مقتنعون تماما أن المسرح عملٌ جماعي وليس فرديّا" وتضيف: "لقد أنشأنا على مدى الـ 11 سنة الماضية أسلوبا فنّيا إبداعيا خاصا بـ زقاق سواء فيما يخص الكتابة، والمحتوى، والخطاب الفنّي الخاص بإبداعاتنا، من خلال دمج مجموعة واسعة من الأشكال الفنّية التي نعرضها في أدائنا الفنّي".

"المسرح في لبنان يواجه واقعا صعبًا هذه الأيّام"

تُكتب مسرحيّات الفرقة باللغة العربية فقط، الأمر الذي يشكّل تحدّيا في بلد غالبا ما تكون عروضه الثقافية بثلاث لغات. تقول لمياء: "من الضروري أن نتحدّث باللغة العربية؛ لأنّنا نريد أن نخاطب الجميع، بتقديم عرض يصل إلى شريحة واسعة من المجتمع ". ومن أجل المحافظة على نهج زقاق مع مرور الوقت، وحرّية الإبداع المرافقة له، فإنّ أعضاء الفرقة  لا ينتجون مسرحياتهم وفقًا للتمويل. فالمال، الذي يقوم على الإنتاج في الوقت المحدد، يقدّم بشكل أساسي عن طريق الإعانات والنّشاطات الموازية مدفوعة الأجر التي تتخذ من زقاق اسما لها. وهذا الدور يحدد أيضا منهج وأسلوب الفرقة المسرحية الذي يتمثل في: التدخلات النفسية، والعمل جنبا إلى جنب مع المنظمات غير الحكومية، وورشات العمل... زقاق فرقة  متعدّدة الوجوه والأشكال وحاضرة على كل الجبهات، ممّا يمكّن أفرادها من التنفّس مادّيا فيستمر وجودهم في الساحة، رغم ما يتعرضون له من خسائر مستمرّة للمعونات في مجال الفنّ اللبناني.

ترسم رندا صدقه، رئيسة تحرير مجلّة Pictoram الثقافية، صورة المشهد المسرحي اللبناني بقولها: "المسرح في لبنان يواجه واقعا صعبا في الوقت الرّاهن، فلا تمويل، ولا بُنية فيما لو استثنينا الجامعة اللبنانية؛ فالعديد من المسارح أبوابها مغلقة، والبلد يمر بفترة عدم استقرار سياسي ومالي وهيكلي". غير أنها استدركت قائلة: "على الرغم من كل هذا، فإنّنا نقدّم المساعدة لكتاب المسرح والفنّانين الشباب الذين يرغبون في بعث الحياة في المشهد المسرحي في لبنان"، ومن بين الأمثلة الإيجابية التي ساقتها للمسرح اللبناني مختبر زقاق لدوره الاجتماعي البارز.

"نريد أن نفتح مجالا للقاءات وحوارات بين الفرقة والجيل الجديد"

لأنّهُ عندما تُفكّر زقاق "كمجموعة" فإنّ رؤيتها تتجاوز حدود الفرقة المسرحية. وهذا العمل إنّما يتمّ بشكل جماعي جنبنا إلى جنب بمشاركة المواطنين المساهمين بشكل غير مباشر في المشاريع. تعلن لمياء منذ البداية عن رؤيتها قائلة: "عملنا الفني متأثّر بعملنا الاجتماعي". تضيف: ليس جمهورنا متفرجا سلبيا فحسب، بل هو مصدر إلهام أيضا. وقد كان المشروع الأخير لفرقة زقاق يضمّ حوالي 15 عرضا مجانيا موجها للمدارس والجامعات. "نودّ أن نفتح مجالا للقاء والحوار بين المؤسسة والجيل الجديد".
تعلق لمياء قائلة: "ذلك شيءٌ فاتنا ونحن صغار، وقد أصبح جزءا من مهمتنا اليوم". ويمكن أن يشمل العمل الإبداعي أو النفسي - الاجتماعي للفرقة المسرحية: طلاب المدارس والسجناء واللاجئين وغيرهم من السكان المهمشين في لبنان.

وهذه اللقاءات مصادر إلهام للفرقة لتقتبس منها ما تحتاجه في إبداعاتها المستقبلية، تقول: "نشارك أسئلتنا بطريقة عملية في الميدان ثم نعيد بعد ذلك صياغة المحتوى التعبيري والإبداعي للمجموعات في عروضنا المسرحية. وبذلك ينتج لدينا عمل على طريقتين: فمن جهة، تجلب زقاق الفنّ إلى المواطنين وهم بدورهم، يلهمون الأعضاء بأفكارهم. وكذلك فقد نظّمت الفرقة "مهرجان زقاق" وهو حدث يسمح بضمّ جميع أشكال التنوع الثقافي في المجتمع اللبناني من خلال الأشكال الفنّية، ابتداء بعرض أشكال من الثقافة الأرمينية وصولا إلى الممارسات الاجتماعية وعادات الطبخ الأثيوبية، "التي لا تحتل المكانة الكافية في المشهد الثقافي النخبوي في بيروت"، وفقا لتقييم لمياء. "وسيكون الهدف الأسمى هو تطوير ودمج هذه الكيانات الثقافية المختلفة، حيث تشكل كيانا واحدا وبذلك تصل إلى أوسع شريحة ممكنة من الجماهير".

"العروض الثقافية في لبنان لا تزال متركّزة في العاصمة"

هناك استراتيجيّة أخرى أساسيّة وفقا لأعضاء الفرقة من أجل لقاء العامة بطريقة أكثر تنوعا ألا وهي: الخروج من بيروت. لقد عُرضت مسرحية "مشرح وطني" التي جعلت من الحرب اللبنانية مادة دسمة لها في أكثر من 78 مكانا في البلد. إذ تقول لمياء: "نقوم بالعديد من الجولات في كل أنحاء لبنان، وفي جميع المناسبات الثقافية والاجتماعية، بما أنها كثيرة جدّا". هذا، وإن أغلب العروض الثقافية في لبنان تبقى متركّزة في العاصمة، وزقاق ترغب بعكس هذه الحركة وتسعى لتشجيع السكان في المدن والبلدات الأخرى بأن يأتوا ليروا إبداعاتهم أثناء عرض المسرحيات في بيروت. المسرح، وفقا لأعضاء جمعية زقاق، ليس مجرّد عرض، بل إن له دورا عالميا هامّا على المستوى الاجتماعي. تلخصه لمياء بقولها: "نسعى لأن نعيش المسرح على نطاق واسع وأن نتجاوز التقوقع داخل الصندوق الأسود الصغير إذ ههنا تبرز إبداعاتنا".

"المسرح ميدان يسمح لي بممارسة مواطنتي"

إضافة إلى كل ما ذُكر، تقدم الفرقة ورش عمل حول العلاج بالمسرح، ولا تنفكّ عنها الرغبة في أن يرتكز عملها على الواقع الاجتماعي في لبنان؛ وقد تم تطوير هذه الأدوات منذ تأسيس زقاق في عام 2006، وهو عام حرب الـ 33 يوما بين إسرائيل ولبنان. تقول لمياء: "لقد كان اختيار المواضيع متماشيا دائما مع حاجتنا المدنية". أمّا رندا صدقه فتقول: "يعكس المسرح اللبناني الصعوبات التي يمر بها مجتمعنا، فقد نوقش موضوع الحرب مرارا وتكرارا، ويعود الحديث عنه بانتظام منذ اندلاع شرارة النزاع السوري". تضيف: "من المواضيع الحاضرة وبقوة على الساحة موضوع الدين ومسألة الانتماء، وكل هذه المواضيع  تُقلق المواطنين".

إذًا هو مسرح للناس، يعكس صدى المواضيع اللبنانية المدنية الكبرى... تضيف لمياء: "ومن هذا المنطلق فإننا نعتقد، كفرقة مسرحية، بأن عملنا السياسي يُنجز على مع مرور الوقت وعلى المدى البعيد، ومع ذلك، ولا ينبغي أن نتصرّف بشكل آنيّ". وتؤكد الممثلة على أنها تعيش مواطنتها وتجسّدها من خلال المسرح إذ تقول: "إنّني اليوم كمواطنة لا تقدّم لي الدولة شيئا، بل على العكس من ذلك؛ فالمسرح ميدان يسمح لي بممارسة مواطنتي؛ لأنه ما من خيار آخر لممارستها في بلدي، والمسرح يتيح الفرصة لإيجاد أماكن للقاء وخيار إنشاء المسرح كان سياسيا بامتياز، ونؤكد على ذلك على طريقة اليونانيين، وبعبارة أخرى، وفقا لما تقتضيه الضرورة".

رغم أن المشاركة المباشرة لنشاطات حركة القطاع المدني لا تندرج رسميّا تحت مهمة الفرقة إلا أن زقاق شاركت إحدى مسرحياتها المتعلّقة بالعنف الأسري، في الـ 8 من آذار قبل بضع سنوات بمناسبة يوم حقوق المرأة؛ حيث تتذكّر لمياء ذلك اليوم والعاطفة تغمرها إذ تقول: "كان هناك حوالي 8,000 شخص، وكان الصمتُ يخيّم على الحضور، وعندها شعرنا بأهمّية المسرح على مستوى الحياة المدنيّة".

جدير بالذكر أن نشير إلى أنّ تجارب زقاق عديدة ومستمرة؛ والفرقة تعمل بالفعل وبجد على إبداعها المقبل وتجاوز كل الصعاب التي تعترض سبيل تحقيق أهدافها، وستكون الخطّة القادمة أول مسرحيّة يرغب الأعضاء في عرضها خارج بيروت. تهدف زقاق دائما إلى التغيير، تقول لمياء: "كنّا من قبل، في المحافظات، نتكيف مع أماكن لم تكن صالحة للعرض المسرحي". تختم وتقول: "نريد الآن بالفعل أن نقدّم عروضا في مسارح المنطقة".

 

تمّ إنتاج هذه المقالة بالتعاون مع Cineuropa