Think Culture... Think Growth

FacebookTwitter

Med Culture is a Technical Assistance Unit funded by the European Union for the promotion of culture as vector of Human, Social and Economic Development in South Mediterranean countries. 
READ MORE ABOUT EU COOPERATION

الفنون والطّريق إلى تفاهم متبادلالفنون والطّريق إلى تفاهم متبادل

الفنون والطّريق إلى تفاهم متبادلالفنون والطّريق إلى تفاهم متبادل

https://www.unionemonregalese.it/Appuntamenti/Tutti-gli-appuntamenti/Cinema-i-film-in-programmazione

ثَمّةَ إنسانيةٌ في كلّ شخص، حتّى ولو كانَ سفّاحا. وأعتقد أن قولهم: إنّ بعض النّاس يفتقدون للإنسانيّة غير صحيح،" هذا ما قاله عمرو سلامة، مؤلّف فيلم الشيخ جاكسون، الذي تدور أحداثه حول إمام إسلاميّ متشدّد - قام بأداء دوره أحمد الفيشاوي - حيث يمرّ بأزمة هويّة ويعاني صراعا مع إيمانه بعد وفاة مايكل جاكسون عام 2009.

يضيف: "أعلم أنّ هناك أشخاصا لا يتمتّعون بأي تعاطف من أي نوع كان، بيدَ أنّ كلّ شخص لديهِ جانب إنساني تجاههم. وهدفي أن أروي القصص التي تُضفي صبغة إنسانيّة على الأفراد لا العكس مهما يكن الوضع.  وفي فيلمي، أشير إلى كتاب The Lucifer Effect الذي يبيّن كيفيّة تحوّل الأشخاص إلى أشرار، وأنّ كلّ حربٍ أو حربٍ أهليّةٍ قد اندلعت بسبب إهانة كرامة إنسان آخر. وهذا الآخر لا يعتبر إنسانا. ولذلك كان عليّ في فيلمي، إثبات العكس. وأن أضفيَ صبغة الإنسانية عليه مهما كان وصفه. ففي مصر، يعتبر كلٌّ من السّلفيّين والمثليّين ذلك الآخر ولذلك تهان كرامتهم الإنسانيّة. فلا يمكن لامرأة محافظة أن تضفي صبغة إنسانية على أخرى زانية، وهذه بدورها لن تضفي تلك الصّبغة على شخصيّة دينيّة. وهذا الأمر من أكبر التّحدّيات التي يواجهها مجتمعنا".

 

هل يمكن لفيلم أن يغيّر عقليّة النّاس؟ يجيب سلامة على هذا السّؤال بقوله: "يمكن للفيلم أن يغيّر العقول، والقلوب وأن يقدّم منظورا جديدا في الحياة، وليس فقط مجرّد نظرة معمّقة عن الآخرين." يختم سلامة: "وهذه إحدى القيم العظمى للسّينما. فكلّ فيلم غيّر فيّ الكثير. وفيلم أسماء- الذي تدور أحداث قصّته حول امرأة مصابة بفيروس HIV- غيّر الطريقة التي أنظر بها إلى الآخرين. وبفضل فيلم Excuse My French الذي يرسم طبيعة العلاقة بين المسلمين والأقباط - تغيّرت نظرتي تجاه المسيحيّين. فلم يكن لي من قبل صديق مسيحيّ واحد إلى أن بلغت 23 أو 24 من عمري. تدور أحداث فيلم الشيخ جاكسون حول الهويّة وكيفيّة قبولك للتّناقضات المختلفة داخل نفسك، الأمر الذي اعتبر مشكلة واجهتها وعانيت منها أثناء صناعة الفيلم".

تعدّ قصّة الشّيخ جاكسون، ومؤلّفها وبطلها دراسة حالة ممتازة للنّظر في كيفيّة محاربة السّينما والفنّ للتّطرّف.

كان الفيشاوي يسعى لسنوات عديدة جاهدا لتحقيق السلام والطمأنينة وهي رحلة قادته إلى منعطفات مختلفة في الحياة وجعلته في بعض الأحيان يقف على حافّة الخلاف مع عائلته. وعندما بلغ 21 من عمره التحق بالإخوان المسلمين. وقد قاده هذا المسار إلى التّدرّج نحو السّلفيّة. يقرّ قائلا: "كان يمكن أن أصبح رئيسا لعصابة مخدّرات، غير أنّي أصبحت أصوليّا ظنّا منّي أنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق الطّمأنينة والسّلام. كان الأمر صعبا، كنت أرتدي اللّباس الرّسمي، وكنت أحضر الدّروس في المساجد وكنت أعتقد حقّا بأنّ هذه هي الطّريقة الوحيدة لدخول الجنّة. وبكلّ تأكيد ليست المسألة مسألة لباس ومظاهر وهذا ما أدرك حقيقته الآن. وقد خشي والداي من أن يؤدي بي هذا الطّريق الجديد إلى مستنقع الإرهاب. فقد كان عمّي عضوا في منظّمة إرهابيّة كبيرة في الثمانينيات، وكانت تكفّر النّاس وتشنّ هجمات إرهابيّة، وبعد حين غادرت البلاد. وكان له دور بارز في تلك المنظّمة، ومن هنا برزت مخاوف والديّ متمثّلة في احتماليّة اقتفاء أثر عمّي، شقيق أبي، والسّير على خطاه. ولكن بما أنّ والديّ فنّانان فقد كنت أعايش الثقافة وكان أمامي تشكيلة واسعة من الأفلام. وقد ساهمت تلك الأفلام التي كنت أشاهدها في رسم طريقة تفكيري. ومن خلالها، تمكنت من البقاء منفتحا على الاختلافات وعلى سماع الآراء ووجهات النظر المختلفة بتسامح واحترام. وإنّي أعتقد بأنّه يمكن للأفلام من شتّى أنحاء العالم أن تكون جسرا يمكّننا من معرفة بعضنا البعض بالشّكل الأمثل. ويمكننا أن نفهم طريقة الآخرين في العيش، وكيف يتصرّفون، وكيف يشعرون، وأن نعرف الأشياء التي تجعلهم يضحكون أو يبكون خلال رؤيتهم لقطة سينمائية في بلد معيّن. وهذه القدرة موجودة في جميع الأفلام. ويحتمل أن تكون الأفلام وغناها الثّقافي السّبب ووراء إنقاذ حياتي."

لا يساور الفيشاوي أدنى شكّ بأنّ فيلم الشيخ جاكسون يمكن أن يلعب دورا كبيرا في محاربة التّطرّف وتعزيز التّفاهم المتبادل في البلدان العربيّة وخارجها. يضيف: "أظنّ أنّ النّاس عندما يشاهدون هذا الفيلم في الخارج سوف يقدّرونه عاليا وسوف يصفّقون له بكلّ حماس. وفي الواقع هم يفهمون جيدا أنّي وإن كنت إماما، فالإمام لديه مشاعر، وقلب ويمكن أن يجرح ويمكن أن يبكي أيضا. فالنّاس ينظرون إليه على أنّه بشر. وليس مجرد صورة نمطية شائعة. ينبغي ألّا نحكم على النّاس من مظاهرهم؛ فكون أحدهم يعفي لحيته لا يعني بحال من الأحوال أنّه إرهابيّ. تماما مثلما أننا لا نستطيع أن نحكم عليهم على أساس دينهم أو لونهم أو حتّى جنسيّتهم."

 

هل يمكن للأفلام أن تساعد في محاربة الراديكاليّة والتّطرّف؟ تتناول العديد من الأفلام قضيّة التّطرّف، غير أنّ أوثقها صلة بهذا الموضوع هو فيلم رضا باهي" زهرة حلب"، الذي يروي فيه قصّة الأمّ التّونسيّة الجريئة التي تذهب لجلب ابنها من سورية. تقول هند صبري، رائدة أدوار البطولة، وإحدى نجوم العالم العربي، والمشهورة بتواضعها وواقعيّتها: "إنّ مهمّتنا - نحن الفنّانين - تتمثّل في تحريك شيء ما راكد. تضيف: يمكننا المساهمة في محاربة التّطرّف الأمر الذي يبدو طنّانا بعض الشيء، غير أنّه يمكننا فتح نقاشات هامّة حوله وأنا متأكّدة من أنّ الفيلم تولّى هذه المهمّة."

ووفقا لهند، فإن الثّقافة وسيلة ضروريّة لفهم الآخرين على الوجه الأمثل. وتبعث على التّعاطف وتحدّ من التّوافق. تقول تلك الممثّلة: "ثمّة مشكلة في العالم العربيّ تعيقنا تتمثّل في النّزعة التّوافقيّة والتّقليد" توضّح ذلك بقولها: "مع أنّ 70 % من الأشخاص هم دون الـ 35، غير أنّ هناك مشكلة حقيقيّة تخصّ التّميّز، فلا أحد يجرؤ على القول إنّه مختلف، ولا أحد يجرؤ على التّصريح بأنّه يفكّر بطريقة مختلفة فالكلّ يريد أن يبدو طبيعيّا". تتابع ناصحةً الشّباب: "كونوا متميّزين عن الآخرين ولا يلزم بالضّرورة أن تكونوا نسخة عنهم". تضيف: "لحسن الحظّ هناك موجة جديدة من المخرجين السّينمائيين يحاربون هذه النّزعة مثل عمرو سلامة ومحمد دياب في مصر. وهناك العديد من الأعمال الفنّية السّمعية البصريةّ التي تبرز شخصيات ما كانت لتعرض قبل بضع سنوات، لأنّ مواضيعها كانت مختلفة". تتابع قائلة: "إليكم هذا المثال. كان مرض السّرطان من المواضيع المحرّم تناولها في العالم العربيّ. ورغم ذلك لعبت هذا الدور في مسلسل تمّ عرضه خلال شهر رمضان. لقد كان المسلسل عن السّرطان، ذلك المرض الذي يتجنّب النّاس عادة الحديث عنه، ومع هذا فقد لاقى نجاحا باهرا، وانهالت علينا رسائل الحبّ والإعجاب. وأثنى علينا المرضى لمنحهم قوّة على والشّفاء مجدّدا فقد غيّر هذا المسلسل وجهة النّظر المتعلّقة بهذا المرض لدى النّاس والمرضى وعائلاتهم".

 

السينما، ليست العلاج الوحيد لمكافحة التطرف والتّعصّب وتعزيز التفاهم المتبادل. قامت مؤسسة "المدينة"، التي تتخذ من الإسكندرية مقرا لها، بتنفيذ "كرنفال الشوارع" وهو عبارة عن مبادرة لمسرح الشارع تهدف إلى تعزيز التنوع وكسر القوالب النمطية. كرنفال الشارع، الذي تم تمويله من قبل مشروع "الدراما والتنوع والتنمية" في إطار ثقافة ميد، هو برنامج تابع للاتحاد الأوروبي، يسلط الضوء على قدرة الثقافة النوبية على الاندماج في الثقافة المصرية الرئيسية. قام المروجون بتدريب الفنانين وإعداد جولة تعاونية مكوّنة من ثلاثين عرضا تمّ تقديمها في عشر مدن مصرية. حيث عالجت العروض العديد من القضايا الاجتماعية مثل التمييز والتحرش الجنسي ضد النّساء.

وتهدف هذه المبادرة الإبداعيّة إلى تعريف جمهورها بالخصائص الرّئعة التي يتّصف بها المجتمع النّوبي، بدلا من معالجة مسألة تهميش النوبيين. ويوضح مهاب صابر، المدير التنفيذي للمدينة ومدير مشروع كرنفال الشارع ذلك قائلا: "فعلى سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بمسألة التحرش الجنسي، التي تؤرّق المجتمع المصري عامّة، فإن العروض تسعى إلى إظهار كيف أن الثقافة النوبية لا تعاني من هذه المشكلة، وتركّز على التسامح وعدم التمييز في تلك الثقافة"، ويختم صابر: "بفضل تمويل مشروع "ثقافة ميد" تمكنا من تصدير منهجيتنا إلى بلدان أخرى. وقد طبقنا طريقة الكرنفال في كلّ من مصر والمغرب وفلسطين مما يثبت أن المشاكل في بلدان مختلفة قد تكون لها حلول مماثلة".

وثمّة مبادرة أخرى بتمويل من "ثقافة ميد" من خلال مشروع" قيمة الثقافة في جنوب المتوسط"، تحت شعار "نحن هنا"، ويشرف على تنفيذها منظمة "فنّي رغما عنّي" ومقرها تونس. وشكّلت مبادرة "نحن هنا" خلايا إبداعيّة بديلة لمصلحة الشّباب المتطوّعين والمميّزين في كلّ من تونس وفلسطين باستخدام فنون الشّارع والفنون الجداريّة. وأمّا في تونس، فقد ساهم المشروع في إعادة بناء 10 أماكن تعكس ثقافات متعدّدة في المدارس والمؤسسات التعليمية في المناطق الداخلية الفقيرة المهمشة. وأمّا في فلسطين، فقد أقام المشروع أنشطة فنية وثقافية وجدارية في الأماكن العامة وعلى الجدران في مدينة رام الله القديمة. تقول المنسّقة أسما كاعوش: "ستوضع الخلايا الثقافية في خدمة الشباب المهمشين والمحرومين والمجتمعات المحلية". تستطرد قائلة: "إنّ نهجنا الفنّيّ هو أداة فعالة لحل المشكلات الاجتماعية وإعادة هيكلة المجتمع وفقا لقيم التّسامح والمواطنة. ومن خلال هذا المشروع، تمكنا من تعزيز احترام الفئات المهمشة وتشجيع مشاركتها النشطة في المجتمع. هذا، وتجدر الإشارة إلى أنّ حوالي 2000 طالب يستفيدون من كل مكان تم إنشاؤه. حيث يتمّ تنظيم ورشات عمل مدنية لتعزيز حقوق الإنسان وثقافة السلام على مدار العام".

 

عموما، يمكن للفنون أن تلعب دورا كبيرا في المساهمة في مكافحة تنامي العقليّات المتشدّدة والتّطرف وتعزيز التّفاهم المتبادل بين النّاس من ذوي الخلفيّات والانتماءات المتنوّعة. ومع أن الفنون وسيلة فعالة، وإن لم تكن الأساسية للتغلب بيسر على الأفكار النمطية السّائدة التي تغذي العقليّات المتطرّفة، فلا تزال مجتمعاتنا تُهمل الجهد الثّقافي وتستخفّ به  في أغلب الأحيان.