Think Culture... Think Growth

FacebookTwitter

Med Culture is a Technical Assistance Unit funded by the European Union for the promotion of culture as vector of Human, Social and Economic Development in South Mediterranean countries. 
READ MORE ABOUT EU COOPERATION

الثّقافة، طريق التّقدّم في منطقة المتوسّط

الثّقافة، طريق التّقدّم في منطقة المتوسّط

"نحن بحاجة إلى روايات بديلة"

"في هذه المرحلة من حياتنا، عندما نُقصف بوابل من القوى السّلبية والتّطرف والرّاديكاليّة، نجد أنفسنا بحاجة إلى الفنّ والثّقافة أكثر من أي وقت مضى للوصول إلى المجتمعات، خاصّة فئة الشّباب، وتزويدهم بروايات بديلة"، هذا ما صرّحت لينا التّل، مديرة المركز الوطني الأردني للثقافة والفنون، أثناء قيام مجموعة من الشبان والشابات النابضين بالحياة بالغناء على أنغام عازف غيتار موهوب على أرض فندق لاندمارك في عمان.

احتفل هذا النّشاط العفوي باختتام منتدى نقاش شاق لكنّه ملهم، تمّ تنظيمه من قبل البرنامج الإقليمي الأوروبّي، في إطار مشروع ثقافة ميد.

كانت قضايا "التّشبيك والتّبادل الثقافي والتّعلم والعمل وتبادل الخبرات والتّعاون والدّعم ومعالجة السّياسات"، جلُّ ما أعرب عنه الفنّانون وفنّانو الأداء والرّاقصون والموسيقيّون والكتّاب والمهندسون المعماريّون والنّاشطون من مختلف الخلفيّات الاجتماعيّة والدينيّة من طموحات بعد هذا المنتدى بيومين. فهذه الرابطة العميقة الجذور بين الشباب كانت تنقل رسالة المرونة والاحتفال بالحياة والتّحدي في وقت تتعرض فيه القيم الإنسانية والتّسامح والتّعايش للخطر.

يمكن لقوّة الثّقافة النّاعمة أن تنافس أي قوّة سياسيّة أو اقتصاديّة أو دفاعيّة أخرى، ولكن هذا المورد التاريخيّ الغنيّ وغير المستغلّ كما ينبغي يتطلّب أدوات مناسبة لبعث الازدهار وترك بالغ الأثر على النّاس. إذ يرى مسؤولو الاتّحاد الأوروبّي أنّ الثّقافة يمكن أن تكون قناة لمعالجة الآثار المتلاحقة للقلاقل وخيبات الأمل التي كثيرا ما تتفاقم في ظلّ الفقر والبطالة، مثل التهميش والتّطرّف. وتؤكد آيرين مينغاسون، ممثلة رفيعة المستوى لبرنامج الاتّحاد الأوروبيّ لبلدان الجوار الجنوبي، من بروكسل أن "الثقافة هي الوسيلة الناجعة لنموّ التعدّدية والتّعايش والاحترام داخل المجتمعات وبين شواطئ شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وقد تمّ الاعتراف أخيرا، بأهمية الثقافة ودور المجتمع المدني في بناء مجتمعات قويّة ومتماسكة تتمتّع بقدرة كبيرة على الصمود". ويتعهّد مسؤولو العلاقات الخارجيّة للاتحاد الأوروبي بتقديم دعم مستمر للثقافة من أجل تمكين المؤسسات القائمة وتحسين قدرة المساهمين فيها والوصول في نهاية المطاف إلى "التّحكّم، إلى حدّ كبير، بهذه البرامج الثّقافية وامتلاكها على نطاق إقليمي".

وقد أضاء هذا البرنامج بارقة أمل نحو التّغيير، والوصول إلى سرد ثقافيّ بديل يمكن أن يزدهر في منطقة البحر الأبيض المتوسّط. ولكن هذا الأمل مصحوب أيضا بالخوف. كما عبّرت ديما شاهين إحدى المستفيدات من هذا البرنامج عن ذلك بقولها: "في الواقع، لا أريد من هذا البرنامج أن يبدأ وينتهي ويختفي ويتلاشى تأثيره معه. ولقد رأيت الكثير من المشاريع تنتهي دون نتائج تذكر. إنّه لأمر مؤسف أن يذهب كل هذا الاستثمار في مهبّ الريح"، إذْ أكدت شاهين، وهي فنّانة وصانعة أفلام معروفة، على أهمية الاستمرار في العمل عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الثقافية.

 

"الأمر يتعلق بتمكين الشّباب"

منذ عام 2014، وبرنامج الإتّحاد الأوروبّي "ثقافة ميد" يقدّم الدّعم لمجموعة واسعة من الفنّاّنين والنّاشطين من منطقة جنوب البحر المتوسّط لتطوير قدراتهم، وبناء شبكة متينة مع المشغّلين الثقافيين، وتعلّم أفضل الممارسات من بعضهم البعض من خلال عدد كبير من المشاريع التي توظّف أساليب مبتكرة.

وكان تحديد القضايا الأكثر تحدّيا والتّوصيات ذات الصّلة لمعالجة هذه المشاكل في صُلب الأنشطة في منتدى "ثقافة ميد"، استنادا إلى تبادل الأقران وورش عمل تفاعليّة تشمل الألعاب والفنون البصريّة والعروض والمناقشات الجماعيّة. وقد شهد هذا الحدث الذي استمر ليومين مجموعة واسعة من الأنشطة؛ من حوارات مفتوحة مع الخبراء إلى جلسات جماعيّة نشرت نهجا فريدا لزيادة إنتاج كل فرد من المشاركين الـ 120 إلى أقصى قدر ممكن.

وهذا ما تبيّنه خبيرة تنمية القدرات في برنامج "ثقافة ميد" فاني بوكريل إذ تقول: "ثمّة تركيز كبير على الدّيناميّات التّشاركية، وعلى الأشخاص أنفسهم، وعلى الطريقة التي يمكنهم أن يتعلموا بها ويستفيدوا فيها من بعضهم البعض، والتّركيز على قضايا التّعلم وإدراك أنّ التعلم جزء من العمل. بل حول ديناميات جماعية. وكيفيّة إدارة المجموعة، وكيفيّة التأكد من أنّ جميع الأشخاص في الغرفة ويشاركون في النّشاط".

ويحاول المنظّمون التّأكد من أن كلّ فرد في الغرفة له الحقّ في المشاركة والمساهمة، وبالتّالي وضع أساس للتّواصل القويّ بين المشاركين. وينقسم المشاركون إلى مجموعات عمل عديدة، يساعدهم فيها أيضا مهنيون شباب ممّن استفادوا من تدريب وخبرات مدرّبيهم في البرنامج.

وقد صممت حلقات عمل لتبحث قضايا حيوية مثل القدرة على الصمود والثقافة، ومكافحة التطرف من خلال الحوار، ودمج الشّباب وإمكانيّة التوظيف، وتعزيز التماسك الاجتماعي، فضلا عن زيادة التوعية. وتعمل كل مجموعة معًا   لتحديد التّحدّيات والحلول المقترحة، وذلك قبل إجراء التّصويت النّهائي داخل كلّ مجموعة لاختيار أهمّ التّوصيات.

وفي سياق متصل، صرّحت كريستيان دبدوب ناصر، رئيسة الفريق في برنامج الإتّحاد الأوروبّي"ثقافة ميد"، قائلة: "إنّ تلك مواضيع هامّة لأن الثقافة ليست مجرّد رقص، وفنون وموسيقى، وما إلى ذلك بل إنّنا إذا ما تحدّثنا عن التّطوير، فإنّنا نتحدث عن تطوير الثّقافة، وتعزيز المرونة في المجتمع، وتمكين الشباب. فكلّ ذلك يمكننا فعله من خلال الثّقافة. وكذلك يمكننا أن نعالج مسألة إمكانيّة العمل من خلال الثقافة. ولذلك، فإنّ الثقافة تتقاطع مع مواضيع كثيرة، وتشمل قطاعات عديدة..."

ولقد أشار المشاركون، بهدف تعزيز القدرة على الصمود في المجتمعات، إلى أهمية غرس ثقافة المرونة في المناهج من أجل توليد جيل جديد محرّر من الأغلال التي تكبّل المجتمع حاليّا.أمّا فيما يتعلّق بتعزيز إمكانيّة توظيف الشّباب ، فقد ألمحَ المشاركون إلى الفجوة القائمة بين المجتمع المدني والقطاع العام كقضية يجب أن يعالجها صنّاع السّياسة والقرار. كما أشار المشاركون في هذا المنتدى إلى نقص المعلومات المتعلّقة بالفرص المهنيّة، فضلا عن فرص العمل الموسمية وغير المستدامة في القطاع الثّقافي باعتبارها عقبات في سبيل الإبداع وبالتّالي أمام إيجاد فرص عمل.

وعلّق عادل عبد الوهاب، مخرج مسرحي في "حوار" من مصر وأحد المستفيدين من برنامج الإتحاد الأوروبي، قائلا: "نحن بحاجة إلى توثيق الأنشطة الثقافية والمؤتمرات وأوراق البحث من أجل الوصول إلى هذا المصدر الهامّ للتّعلم". وأضاف: "من المهمّ أن نستفيد من مكاسبنا وجهودنا السّابقة التي بُذلت في سبيل تطوير المشهد الثّقافي".

 

"يجب أن نركّز على ما يجمع النّاس"

يتابع عبد الوهّاب قائلا: "'فكرة البرنامج رائعة لأنها تساعد على تأسيس تعاون بين مختلف أصحاب المصالح في المجال الثّقافي، سواء كانوا يمثّلون هيئات رسميّة أو منظّمات مستقلّة، ولذلك، فنحن بحاجة ليُكمّل بعضنا بعضا من أجل تحفيز نمو المشهد الثّقافي وجعله مستداما".

قال المشاركون عند مناقشتهم المبادرة لبناء مجتمع الممارسة: إنّ التّحديات الرئيسة تشمل التّنقل وتعزيز الخبرة المتاحة. ودعوا إلى إقامة تدريبات متخصّصة يمكن أن تتناول أحكام تقييم الاحتياجات، وتقييم المدرّبين المتمرّسين وإنشاء حاضنات ثقافية لتعزيز تنظيم المشاريع.

وشدّدت رئيسة الفريق قائلة: "علينا أن نركّز على ما يجمع النّاس، لا على ما يفرّقهم".

وهذا هو السّبب وراء تمويل برنامج "ثقافة ميد" ما مجموعه 63 مشروعا صغيرا من خلال مشروعين رئيسين للمنح هما مشروع الدراما والتّنوع والتّنمية ومشروع قيمة ثقافة جنوب المتوسّط. المشروع الأوّل هدفه بناء مجموعة إقليميّة من المحترفين ذوي الخبرة مع إمكانيّة ربط حقوق الأقليّات، والحقوق الثّقافيّة والدراما والتّواصل مع هويّة الأقلّيّات من خلال الدراما؛ ويهدف الأخير إلى انتشال الثّقافة من مستنقع التهميش ووضعها في صلب اهتمامات الحياة العامّة، وربطها بالاقتصاد، والتّنمية السّياسيّة والاجتماعيّة، بالتّزامن مع تعزيز قدرات الشّباب ومنظّمات المجتمع المدني.

لقد عكست تلك المشاريع مستوى عاليا من الإبداع وأثارت نقاشات حول قضايا غالبا ما كانت طيّ الكتمان؛ من ضمنها العنف ضدّ النّساء، والعنصريّة ضدّ اللاجئين والأقلّيات.

 

"بناء مجتمع قادر على المشاركة في ابتكار حلول جديدة وبديلة"

دُعي النّشطاء الثّقافيّون من تونس إلى المنصّة في الجلسة الختاميّة من الاجتماع ليلخّصوا تجربة ريا بن غويزى من خلال المنتدى، عبر عرض تأمّلاتها واستنتاجاتها في المناقشات المكثّفة التي جرت خلال هذين اليومين وما فيها من توقّعات لمستقبل قطاع الثّقافة في المنطقة وإبراز مدى شيوع التّحدّيات التي تواجه الثّقافة في كلّ من الجزائر والمغرب ومصر وفلسطين ولبنان والأردنّ وتونس. تختم غويزى بالقول: "لقد أسهمت خصوصية وتنوع رأس المال البشري هذا، جنبا إلى جنب مع وفي إطار "ثقافة ميد"، في بناء مجتمع قادر على المشاركة في إبداع حلول جديدة وبديلة لضمان بقاء النظام البيئي الثّقافي".

"ولذلك بات من الأهمّيّة بمكانٍ لبرنامج "ثقافة ميد" أن يرسخ إنجازاته وأن يكسب زخما، ليحافظ على أهدافه الخاصة، الأهداف التي تبلّ صدى وعطش قطاع الثّقافة في منطقة البحر المتوسّط" وفق ما أكّده دييغو ماراني، كبير مستشاري السّياسة الثّقافيّة في الإتحاد الأوروبّي.

وقد أكد مسؤولو الإتّحاد الأوروبّي للمشاركين أنّ البرنامج الذي يتبع "ثقافة ميد"، والذي ينبغي أن ينجز في غضون عام، سوف يستند على الإنجازات والاستنتاجات والتوصيات التي المقدّمة من قبل المشاركين. ودعوا المستفيدين من المنح إلى مواصلة العمل معا لتعزيز التّعاون الإقليميّ، وهو عنصر مفقود في الوسط الثقافيّ.

ختاما، لقد اجتمع 120 ناشطًا ثقافيًا طموحًا، بعد أن وحّدتهم ثقافاتهم الغنية، يتتابعون في دائرة، يدا بيد، كتفا إلى كتف، ويرقصون على إيقاع رقصة الدبكة الشعبية. وما إن تلاشت أصوات الموسيقى، حتى انطلق كلّ شابّ وشابّة مشمّرين عن سواعدهم وشرعوا يزرعون غراس المعرفة والتّواصل التي بنوها لتحقيق تطلّعاتهم بانتظار الفصل التّالي ليكتب نفسه.